تعديل

vendredi 18 avril 2014

قراءة في كتاب: "مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع" للدكتور عباس أرحيلة.

بسم الله الرحمن الرحيم 
    الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عبده ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله، وصحبه رضوان الله عليهم إلى يوم الدين.
    وبعد؛ إن القارئ لما كتبه أستاذنا وشيخنا الدكتور عباس أرحيلة من مؤلفات ومقالات، ليقف على سمات مشروع متكامل يسعى من خلاله إلى التأمل في الحضارة الإسلامية منذ نزول القرآن، وإثبات تميزها عن باقي الحضارات الأخرى، والتأكيد على أنها أسست على القرآن والسنة النبوية. فكتابه الأول: "البحوث الإعجازية…" هو اعتراف بأن البيان العربي أصله الإعجاز، ويأتي كتابه الثاني: "الأثر الأرسطي …" لينفي تأثر العلوم العربية بالثقافة اليونانية، وقدم في متنه حججا تؤكد صحة أطروحته، وزادها إيضاحا بكتبه الأخرى: "مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع" الذي أثبت من خلاله العبقرية العربية الإسلامية في التأليف، وأن هذه العبقرية مصدرها سلوك مسلك القرآن والسنة النبوية في الكتابة والتأليف، وهذا الكتاب أعتبره حجة عامة خصصها في كتبه الآخرى:
- "الكتاب وصناعة التأليف عند الجاحظ" صدرت طبعته الأولى عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش سنة: 2004،  
ـ "تجربة رائدة في البلاغة العربية قراءة في كتاب البديع لابن المعتز(-296)" صدرت طبعته الأولى عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش سنة: 2009 ،
- "أبو حامد الغزالي ومنهجه في التأليف" صدرت طبعته الأولى عن المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش سنة: 2009.
    وسأقدم في هذه الصفحات قراءة لكتاب شيخنا: "مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع" وأنا أتساءل هل أستطيع تقديم قراءة لهذا الكتاب؟ وأنا متيقن أن البرعم لا يستطيع الحديث عن الشجرة، وأن الساقية لن تدرك عمق البحر وكنوزه مهما حاولت.

أولا ـ قراءة في العنوان:
    تستوقفنا للوهلة الأولى كلمة "مقدمة" لمجيئها مفردة، والكتاب يدرس مقدمات متعددة وضعت لكتب في شتى العلوم والمعارف. إذا، لماذا عدل المؤلف عن مقدمات وأثبت مقدمة ؟. أقول إن القارئ لكتب النحو واللغة يدرك النكتة في ذلك، وهي لطيفة ما كانت لتفوت شيخنا. فـ "مقدمة" بالإفراد اسم جنس يدخل تحته جميع المقدمات كيفما كان نوعها، وهو ما أكدته صيغة التنكير التي وردت بها فأتت منسجمة مع موضوع الكتاب: مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي أي مطلق مقدمة الكتاب الذي ألف في الحضارة الإسلامية. بخلاف "مقدمات" التي تنبئ صيغتها عن عدد معين من المقدمات وهو ما يتنافى مع موضوع الكتاب.
    وجاءت كذلك لفظة "هاجس" مفردة، ونكرة، ومعطوفة على مقدمة. إذا كان المؤلف يتناول مقدمات متعددة في علوم متعددة، وكل مقدمة يضمنها صاحبها هاجسه، إذا فنحن أمام هواجس متعددة وليس أمام هاجس واحد؛ إذا فكما قلنا إن صيغة اسم الجنس وإن كانت مفردة في صيغتها فهي جمع في دلالتها يدخل في دلالتها جميع المقدمات، وجميع الهواجس.
    وإذا تأملنا أسلوب التعريف في العنوان نلاحظ نوعين من التعريف:
الأول: التعريف بالإضافة؛ إضافة الكتاب إلى مقدمة، وإضافة الإسلامي إلى التراث، وإضافة الإبداع إلى هاجس.
الثاني: التعريف بواسطة "ال"؛ "الكتاب"، "التراث"، "الإسلامي"، "الإبداع". وهذا التعريف للعهد إما أن نعتبره ذهنيا أو خارجيا:
    إذا اعتبرناه ذهنيا نسلم بأن "الكتاب" و"التراث" و"الإسلامي" و"الإبداع" أي عناصر الحضارة الإسلامية ومكوناتها جزء منا تشكل ذاكرتنا وأحاسيسنا، وتجري في دمنا.
    وإذا اعتبرناه خارجيا ذهبنا إلى أن هذه العناصر بعيدة عنا، لا تعيش معنا في المكان والزمان، تعيش في مكانها الخاص في رفوف المكتبات إن كانت كتبا، أو في المتاحف إن كانت مخطوطات أو غيرها.
    والرأي الصحيح أن التعريف للعهد الذهني، أي مكونات الحضارة الإسلامية المعهودة لدينا نحن المسلمين، المكونة لشخصيتنا والمحددة لهويتنا…. 
    ونلاحظ تداخل هذين الأسلوبين(الإضافة، وال)، فالكتاب، والإسلامي، والإبداع هي كلمات معرفة أضيفت إلى كلمتين نكرتين: "مقدمة" و"هاجس" فمنحتها تعريفا، فأصبحت معرفة؛ إذا فموضوع الكتاب: المقدمة المعلومة التي يقدم بها المؤلف المسلم كتابه الموضوع في شتى المعارف التراثية الإسلامية، وتفرد كل واحد منهم بإضافة أضافها في صرح الحضارة الإسلامية.

ثانيا ـ منهج الكتاب وطريقة تأليفه:
    يتناول الكتاب بالدرس والتحليل تاريخ التأليف عند العرب، فهو ينطلق من الخاص "خطاب المقدمة" ليقف على العام أو الكل "الكتاب العربي الإسلامي". والذي يستوقف القارئ هو كثرة المصادر التي اعتمد عليها الشيخ لرصد حركة التأليف عند المسلمين، وكذلك منهجه في استنطاق نصوص هذه المصادر؛ فهو قد صرح بعدم التدخل لشرح النصوص وتوضيحها قائلا:
ـ " تاركا المؤلفين يعربون عن مقاصدهم، ويوزعون خطاباتهم بين ذواتهم وموضوعاتهم ومخاطبيهم، ويكشفون عن تصوراتهم ومناهجهم ومشاعرهم وهواجسهم " [ ص: 7].
ـ " وسأدع أصحابها يتحدثون عنها كل بطريقته " [ ص: 83].
    وهذا المنهج يتطلب قارئا حصيفا قادرا على تحديد المعنى من خلال السياق الذي وضع فيه النص؛ فالسياق هو المحدد للمعنى، وهو الذي ينبه القارئ، ويشير إليه ويريه الطريق الممكن لتحديد المعنى. وهو منهج يمكن أن نجد له ملامح عند إحسان عباس في كتابه: "تاريخ النقد الأدبي عند العرب …" فهو الآخر ترك النصوص تنضح بما فيها دون تدخل منه. وفي الحق إن شيخنا الدكتور عباس أرحيلة كان معجبا به وبطريقة تقسيمه لمراحل النقد والبلاغة، فقد كان يسميه في محاضراته لطلبة الدراسات العليا "الرجل العظيم" ولا يعترف بعظمة شخص إلا من كان عظيما مثله؛ وذلك من التواضع. هنا يلتقي العلمان والعالمان والشيخان، ويفترقان في الموضوع على الرغم من تشابهه؛ فهو في تاريخ إحسان عباس خاص بالنقد والبلاغة، في حين هو عند الشيخ عباس أرحيلة عام يتناول جميع فنون المعرفة وألوانها.

ثالثا ـ موضوع الكتاب:
    نحدد موضوع هذا الكتاب في النقاط التالية:
1 ـ تنبيه المؤلفين المسلمين المحدثين إلى طرق التأليف عند السلف الصالح قصد تمثلها. وتنبيههم على أن مصدرها القرآن، والسنة، وبعض الفنون الأدبية:
أ ـ القرآن: يعتبر أول كتاب عرفته العرب، غير حياتهم، فأخرجهم من الجاهلية، إلى نور الإسلام. أنزله الله تعالى مقدما له بسورة الفاتحة:
ـ بين التهانوي أن الفاتحة مقدمة الكتاب العزيز لتضمنها جميع القرآن،قال: "والاستهلال في اللغة أول صوت المولود حين الولادة، وبذلك يستدل على حياته، فسمي به الكلام الذي يدل أوله على المقصود … من ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن فإنها مشتملة على جميع مقاصده … وقد وجه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن وقامت به الأديان علم الأصول ومداره على معرفة الله وصفاته، وإليه الإشارة برب العالمين الرحمن الرحيم، ومعرفة النبوات وإليه الإشارة بالذين أنعمت عليهم، ومعرفة المعاد وإليه الإشارة بمالك يوم الدين، وعلم العبادات وإليه الإشارة بإياك نعبد، وعلم السلوك وهو حمل النفس على الآداب الشرعية والانقياد لرب البرية وإليه الإشارة بإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم، وعلم القصص وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه، وإليه الإشارة بقوله: صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال …". [مادة: البراعة 1/320]
ـ ولنتأمل كتب الحديث، قسم أصحابها محتوياتها كتبا؛ وهذا منهج مستمد من القرآن؛قال تعالى:{رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة}[البينة:2-3]   
ـ وهو ما أكده شيخنا في كتابه هذا في عدة مواضع منه، منها هذا النص:
" وهناك حقيقة ينبغي أن تتقرر في الأذهان عند كل من أراد أن يبحث في نشأة الكتاب في حضارة الإسلام، وهي أن القرآن باعتباره الكتاب الأول في تلك الحضارة؛ كان هو الذي طبع حركة التأليف في الإسلام منهجا وروحا؛ إذ كان له الدور الأول في توجيه التأليف وتحديد طبيعة الكتاب في تاريخ الإسلام إلى يومنا هذا. فالقرآن أول كتاب في حضارة الإسلام، وحوله تفجرت ملكات الكتابة في تلك الحضارة" [ص:25].
ب ـ السنة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي سن افتتاح الكتب بـ بسم الله الرحمن الرحيم؛ جاء في صبح الأعشى كما يحكي الشيخ: أن قريشا كانت قبل البعثة تكتب في أول كتبها: باسمك اللهم، وجاء الإسلام والأمر على ذلك حتى نزل قوله تعالى: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}[النمل: 30]؛ فاستفتح بها الرسول صلى الله عليه وسلم وصارت سنة بعده" [ص: 39].
ج ـ الفنون الأدبية: ذهب الشيخ الدكتور عباس أرحيلة إلى أن أدب الترسل أثر بشكل بارز في طرق تأليف الكتاب الإسلامي؛ قال عن التأنق في كتابة المقدمة:
ـ " ويتشكل هذا التأنق تبعا لتطور أدب الترسل وما عرفه النثر الفني من مدارس على امتداد الثقافة العربية الإسلامية … " [ص: 62].   
ـ قال كذلك: "لعل شيوع كاف الخطاب في مقدمة الكتب كان من آثار أدب الرسالة في الثقافة العربية كذلك، ولعل مرد ذلك إلى أمرين اثنين: شيوع التحميد والدعاء في مفتتح الرسائل، ومن خلالهما يقترب العبد من ربه، وبإعمال كاف الخطاب تتقارب النفوس والمشاعر. فباستعمال كاف المخاطبة، يتقرب المؤلف من قارئه فيجعله بمثابة الصديق الحميم، وقد يرد في الحديث إلى المهدى إليه الكتاب…" [ص:65].

2 ـ هاجس الإبداع في الكتاب الإسلامي: يثبت من خلاله أستاذنا الدكتور أن كل كتاب في الحضارة العربية الإسلامية ضمنه صاحبه جديدا، وبالتالي فهو لبنة مغايرة للبنات الأخرى أضيفت إلى صرح تراث هذه الأمة؛ تبين ذلك هذه النصوص:
ـ " والمؤمل أن يكون الإبداع مقصدا جوهريا في كل تأليف؛ إذ به يتحقق العلم النافع " [ص:34].
ـ يوظف المؤلف غالبا "تاء" المتكلم؛ وذلك لإبراز الطابع الشخصي للكتاب من جهة، وليقرب المسافة بينه وبين القارئ من جهة أخرى [انظر ص:64]. وتأتي هذه التاء كذلك للتدليل على الإبداع؛ قال الشيخ:
" ولا شك أن هذه التاء في مقدمات التأليف جاءت بفعل هاجس الإبداع في نفس المؤلف " [ص: 64].
والبحث إذا لم يبدع فيه صاحبه ويأتي فيه بشيء جديد لا يسمى بحثا؛ قال الشيخ:
"ويستفاد من هذا أنه لا ينبغي أن نطلق اسم بحث على أي بحث كان؛ ما لم يأت فيه صاحبه بشيء جديد، بشيء كان مطمورا في التراب فأخرجه الدرس والبحث. وإخراج ما كان خفيا عن الأنظار في مجال التأليف، أي ما لم يسبق إليه؛ هو الذي يراد به الإبداع عند الحديث عن الإنتاج الفكري أو الفني" [ص:19].

3 ـ التنبيه على مزالق المستشرقين في فهم خصوصية الكتاب العربي الإسلامي، وتصحيح هذه المزالق؛ وهذه النصوص تبين ذلك:
ـ " فإذا كان المستشرق فريمارك يرى ما في المقدمات عبارة عن كليشيهات؛ لأنه وجد أصحابها يكررون البسملة والحمدلة والتصلية في مفتتح مؤلفاتهم"[ص:91].
يقول الشيخ ردا عليه: "وأرى أن ما يقدم المؤلفون في ديباجة الكتب، ليس من قبيل الكليشيهات، كما خيل لكاتب مقدمة في دائرة المعارف الإسلامية. وإنما من لحظات الإفصاح عن مكنونات النفوس حين تبتهل إلى الله تعالى، وتتضرع إليه من منطلقات إسلامية، وهي لحظات تبوح فيها الذات بمواجدها تجاه الألوهيبة والنبوة والقرآن والسنة واللغة العربية " [ص: 97].
ـ يقول المستشرق الدانماركي: يوهنس بيدرسن في الكتاب العربي منذ نشأته حتى عصر الطباعة: " وبسرعة انتشرت عادة منح الكتب عناوين فخمة، مثل "المحيط الفسيح لتفسير القرآن العظيم" أو البدر النفيس لشرح مذهب التوحيد" الخ. بالنسبة لنا يبدو في الغالب تباين صارخ بين العنوان الشعري للكتاب ومحتوياته الجافة"
    يقول الشيخ ردا عليه: " أما أن تكون عادة منح الكتب عناوين فخمة قد انتشرت بسرعة، فهذا حكم لا يخلو من تسرع من لدن صاحبه، خاصة أنه كما يبدو من النموذجين اللذين أتى بهما، أنهما من مؤلفات ما بعد القرن الثامن للهجرة. ولعل المؤلف ومترجم الكتاب لم يدققا في تحديد عنوان الكتابين؛ ولا أظن أن القارئ يعرف كتابين بهذين العنوانين، وأظن أنه يقصد بـ "المحيط الفسيح": "البحر المحيط"، أما الكتاب الثاني فلم أسمع به.
    أما أن يكون هناك تباين صارخ بين ما أسماه العنوان الشعري ومحتوياته الجافة؛ فهو قول يخلو من الإنصاف….." [ص:107 ـ 108].
    وفي التنبيه على هذه المزالق ونقدها، تنبيه على الاختلاف بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية، ومن مظاهر هذا الاختلاف توظيف تاء الخطاب في المقدمات العربية، وانتفاء ذلك في مقدمات التأليف الغربية؛ إذ يوظفون نون العظمة؛ فالباحث عندهم جزء من كل، يتحدث بلسان الجماعة. قال الشيخ:
ـ "وأعتبر التاء أقرب إلى طبيعة المقدمة؛ لأن المؤلف يتحدث عن تجربة فردية عاشها، وعن معاناة عرف أطوارها وذاق عذوبتها ومرارتها. فكيف يخفيها في نون الجماعة، ويطلب العظمة في غيره، ويتوارى عن الكشف عن هويته ؟ ومن خلال هذه التاء عرفنا طبائع كثير من رجالات العلم، وعرفنا تجاربهم في الحياة، ومكانتهم في مجالات المعارف " [ص:63].

4 ـ انتقاد الواقع العلمي العربي الإسلامي القائم:  
ـ تخلى الباحثون عن مناهج التأليف عند المسلمين؛ فأخلوا كتبهم من البسملة، والحمدلة، والتصلية؛قال الشيخ:
" وإذا أصبحت كثير من كتب المحدثين في العصور الحديثة، ممن ينتمون إلى حضارة الإسلام ويعيشون في أرضه، خالية من البسملة والحمدلة والتصلية؛ فهذا أمر آخر. فقد أضحى لا يليق بباحث من أهل الحداثة أن يبسمل أو يحمدل أو يصلي !! حداثته تمنعه من ذلك؛ لأنها فصلت لسانه عن عقيدته " [ص:91].
ـ ليس التقدم هو اتباع الآخر، وإنما هو نابع من الذات؛ قال:
" والتقدم ـ كما هو مقرر ـ لا يتحقق باستنساخ الآخر، والسير على أثره، ونهج سبيله، والتحلي بقلادته، والذوبان فيه؛ بل أن تضيف شيئا نابعا من حقيقة وجودك في المكان والزمان …" [ص: 13].
ـ تتميز الأمة الإسلامية بالسبق الحضاري، و بطلب العلم والإقبال عليه، مما يفسر كثرة الكتب التي ورثناها، وعلى الرغم من ذلك تتخبط شعوبنا في الأمية؛ قال الشيخ:
" ومما يستغرب له اليوم أن يحفل تراثنا بهذا الحث على تحصيل العلم والاجتهاد في تعلمه وتعليمه وتصنيفه ونشره، ويكون تراثنا بهذا الامتداد والشموخ والتنوع والتعدد، وتكون هذه حالنا اليوم مع الأمية، ويكون هذا وضعنا العلمي في العالم المعاصر، ونقبل اليوم أن نتعولم. وترانا لا نتعولم على مقاساتنا، بل نباهي في المحافل بالتعولم على مقاسات غيرنا، ونفضل أن نتلاشى ونذوب، بكل نذالة ورياء وكبرياء ّ [ص: 28 ـ 29].


رابعا ـ المغزى من الكتاب أو استشراف واقع علمي إسلامي ممكن:
    هذا الكتاب دعوة إلى تأمل الذات العربية الإسلامية الراهنة في نفسها وعقلها وثقافتها. هو دعوة إلى انتقاد عقولنا، وإلى محاكمتها ولومها؛ كيف نبحث عن الثقافة لدى الآخر ولدينا ثقافتنا ؟ كيف نبحث عن منهج نصب فيه معارفنا ولدينا كتاب الله وسنة نبيه أقوم منهج وأصدقه، ولدينا هذا الكم الهائل من الكتب التي نهج أصحابها في تأليفها منهج القرآن والسنة ؟. إنه دعوة إلى التأمل في مناهج التأليف عند المسلمين، ودعوة كذلك إلى النظر في اختلاف الذات الإسلامية عن الذات الغربية: لكل من الذاتين ثقافتها ومناهجها. ودعوة كذلك إلى إعادة النظر فيما يؤلف اليوم ويكتب هل يتضمن جديدا؟ هل أبدع فيه صاحبه؟ فإن كان جديدا في موضوعه، أو تناول موضوعه بطريقة جديدة، يكون تضمن إبداعا، وبالتالي يقبل، وإن لم يوجد فيه إبداع رفض ورد على صاحبه.
    اعترف الكاتب بأهمية ما ألفه المسلمون وجدواه، وهذا الاعتراف استتبع شكر الله على نعمة الانتماء إلى هذه الأمة التي خلفت حضارة إسلامية تضم هذا الكم الهائل من الكتب والمؤلفات، التي تتفق في كونها تنتمي إلى هذه الحضارة، وتختلف بحسب الجديد (الإبداع) الذي جاءت به.
    تغمر هذا الكتاب روح مؤمنة بربها، ترجع نشأة الحضارة العربية الإسلامية إلى القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تملأها عزة وأنفة بانتمائها إلى حضارة الإسلام، منتشية بما خلفته هذه الحضارة من علوم، متغنية بطرائق التأليف ومناهجها عند المسلمين، رادعة للمؤلفين المسلمين المحدثين الباحثين عن مناهج عند الغرب، موضحة لهم أن الاطلاع على التراث يكفيهم مؤنة ذلك. بل نجد الشيخ يكفيهم هذه المؤنة، ويطلع هو على هذا التراث باحثا في مناهج التأليف عند المسلمين، محددا مناحي الإبداع فيه، جاعلا خلاصة بحثه في كتاب قدمه هدية لهم يصلح به شأن التأليف اليوم، لا يريد بذلك سوى وجه الله العزيز.

خاتمة:
    يمثل هذا الكتاب لبنة في صرح مشروع علمي متكامل يجب أن يفهم حق الفهم، ويدرس ويقف الطلبة على معانيه ليستنشقوا عطر الحضارة الإسلامية إبان أوجها، والبحث في إمكانية استرجاع هذا الروض الأنف لنحيا به في هذا الزمان والمكان لما في ذلك من إرجاع للفضل إلى ذويه.  والكتاب ذو نزعة إصلاحية يهدف من خلاله الشيخ الدكتور عباس أرحيلة الرجوع إلى الأصل قصد الانفلات من شرك العولمة، والاختلاف عن الآخر بما وهبنا الله من نعمة الإسلام، وبما خطه سلفنا الصالح من تآليف ترسم سمات الشخصية الإسلامية التي لا يمكن أن تكون نسخة للشخصية الغربية.

المراجع:
ـ القرآن الكريم، برواية الإمام ورش.
ـ مقدمة الكتاب في التراث الإسلامي وهاجس الإبداع، الدكتور عباس أرحيلة، ط1(المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش،2003).
ـ موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، محمد علي التهانوي، حققه: الدكتور علي دحروج، ونقل نصه الفارسي إلى العربية: الدكتور عبد الله الخالدي، وقام بالترجمة الأجنبية: الدكتور جورج زيناتي. وتقديم وإشراف ومراجعة: الكتور رفيق العجم. ط1(مكتبة لبنان ناشرون، بيروت،1996).

2 commentaires :

Enregistrer un commentaire

شارك