تعديل

vendredi 18 avril 2014

الظروف السياسية والتاريخية والثقافية التي ألف فيها تفسير: "روح المعاني..."

ـ الظروف السياسية
1 ـ الهزائم والاصلاحات:
عرف عصر الألوسي(1217هـ ـ1270م) عدة تحولات وتقلبات على مستوى السياسة؛ لضعف الدولة العثمانية، وطمع الأوروبيين في اقتسام أراضيها غنيمة بينهم، ورغبة الدويلات التابعة لها في الاستقلال بالحكم. وكانت لهذه العوامل عدة نتائج ظاهرة، تتمثل في محاولة السلاطين العثمانيين إحكام قبضتهم على الأمبراطورية بشتى الوسائل والطرق، منها:
أ ـ خلق معاهدات مع أوربا(1).
ب ـ القيام بإصلاحات(2).
ج ـ جلاء المماليك(3).
عرف العصر ـ كذلك ـ فسادا في قصر الخلافة، لسيادة سلطة الإنكشارية ورغبتهم في التحكم بالخليفة حفاظا على مصالحهم المرتبطة بإبقاء الأحوال كما هي عليه. مما عرف تولي أربعة سلاطين(4) حكموا البلاد في الفترة التي عاش فيها الألوسي، وهي فترة تبدو قصيرة ليتداول الحكم فيها هؤلاء الخلفاء الأربعة.
عاصر الألوسي هؤلاء السلاطين، وشاهد ماأرادوه من إصلاح لدولتهم. وأعجب بجوانب من إصلاح محمـود الثاني، وصرح بذلك في تفسيره، قال: » ولتـفاقم الأمر فـي هـذه الأزمان للارتشاء صدر الأمر من حضرة مولانا ـ ظل الله تعالى على الخليقة ومجدد نظام رسوم الشريعة والحقيقة ـ السلطان العدلي محمود خان لازال محاطا بأمان الله تعالى ـ حيثما كان في السنة الرابعة والخمسين بعد الألف والمائتين ـ بمؤاخذة المرتشين (وأخويه)(5)على أتم وجه، وحد للهدية حدا لئلا يتوصل بها إلى الارتشاء كما يفعله اليوم كثير من الأمراء «(6).
لم يكن الألوسي راضيا عن تلك الإصلاحات كلها، فقد أبان عن سخطه على القانون في بحث له بعنوان: "القانون والشرع"(7) لم تسمح السلطة الغاشمة بنشره(8). ويبدو أن هذا البحث قد ضاع(9). ولحسن الصدفة أن أحد تلاميذه كتب بحثا في الموضوع نفسه عوضا عن بحث شيخه، مما حفظ لنا رأي الشيخ في القانون الوضعي.
نقل الألوسي رأي بعض خاصة بعض الولاة في نظام الشريعة؛ فإنها عندهم »أصول وقوانين سياسية كانت حسنة في الأزمنة المتقدمة لما كان أكثر الناس بلها، وأما اليوم فلا يستقيم أمر السياسة بها والأصول الجديدة أحسن وأوفق للعقل منها«(10). وألزمت السلطة الناس بهذه القوانين » ومن خالفها نكل تنكيلا، وربما حبس حبسا طويلا «(11). ويسمونها "شرعا"، فكانت مصدر أحكام "القضاة"، فخولفت أحكام الله تعالى وروسوله صلى الله عليه وسلم »في أكثر المسائل «(12).
لايرفض الألوسي القوانين السياسية الوضعية رفضا مطلقا، وإنما » إذا وقعت باتفاق ذوي الآراء من أهل الحل والعقد على وجه يحسن به الانتظام ويصلح أمر الخاص والعام«(13) فلا بأس بذلك. ومن الأمور التي يمكن أن يصدر فيها قانون في نظر الألوسي:
ـ تعيين مراتب التأديب(14).
ـ إصلاح الجيوش وتعبئتهم وتعليمهم ما يلزم في الحرب مما يغلب على الظن الغلبة به على الكفرة (15).
ـ الاجتهاد في الأحكام التي »لم ينص الشارع فيها على حد معين بل فوض الأمر في ذلك لرأي الإمام..«(16).
والقوانين المرفوضة، هي التي تحاول إعادة النظر في الأمور الشرعية، التي تتعلق »بالحدود الإلهية كـقـطع السـارق، ورجـم الزاني الـمحصـن، وما فـصل في قطاع الطريق من قـطع الأيدي والأرجل من خلاف وغيره «(17).
والألوسي يكفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع، ويرى أنه أصلح للأمة(18).
هذه جوانب من الإصلاحات التي شهدها الألوسي، فقد وافق منها ما رأى فيه مصلحة للعباد، ورفض ما رأى في قبوله شرا عليهم.
عاصر الألوسي ـ كذلك ـ ولاة متعددين في بغداد، أشهرهم داود باشا الذي كان محبا للعلم والعلماء. وكانت أبواب قصره مفتوحة لهم(19). مما أثار حفيظتهم عندما انقض عليه السلطان بقيادة علي رضا باشا(1231 ـ 1242هـ) ووقفوا إلى جانبه. وكان الألوسي ممن رفضوا هذا التغيير، فوقف إلى جانبه عندما دار القتال بينه وبين علي رضا باشا(20). وعندما سقطت بغداد في يد علي رضا باشا، طلب الألوسي حماية عبد الغني جميل(21) فحماه. ولم يلبث أن تزعم عبد الغني جميل الثورة ضد الوالي الجديد، فانضم الألوسي إلى الثوار. وبعد فشل الثورة » كاد علي رضا أن يقضي عليه«(22)، لولا أنه عدل عن سياسة العنف إلى سياسة اللين وتقريب العلماء منه. وكان يسعى من وراء ذلك إلى استخدام » هؤلاء العلماء والشيوخ أدوات لتقوية قبضة الحكومة على مختلف جهات البلاد «(23) .
عاصر كذلك من الولاة نجيب باشا(1242 ـ 1247هـ) الذي لاقى منه بأسا شديدا، فقد صور » ما حدث بينه وبين نجيب بصورة مؤلمة، ولكن دون أن يشير صراحة إلى الأسباب التي دفعت نجيب باشا إلى التنكيل به«(24).
إن هذا الكم الهائل من السلاطين والولاة، الذين عاصرهم الألوسي خلال نصف قرن، لتظهر جسامته إذا نظرنا إليه بالعين التي ننظر بها إلى الأحداث التي عرفتها المرحلة. وهي أحداث ترسم لنا هشاشة الوضع السياسي والعسكري، وانعدام الأمن الداخلي. وتعلن بصراحة قوية عن حال الإمبراطورية الضعيفة، التي يسيل لعاب الأوروبيين للانقضاض عليها في أي لحظة. إنه حال منحط في لباس إصلاحي مرقع، يرنو إلى تحديث نظم الحكم وفق النظم الأوروبية الحديثة. مما خلق هوة كبيرة بين الواقع المتأزم والنظرة التفاؤلية إلى المستقبل، التي ترى أن الإصلاح ممكن باتباع أحوال الأوروبيين.
2 ـ العرب والعروبة:
لعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه النقطة هو: إلى أي حد استطاعت اللغة العربية الصمود في وجه سياسة التـتريك التي كانت تنتهجها الإمبراطورية العثمانية عندما وضع نظام التعليم في الأمبراطورية، كانت المناهج المتبعة فيه باللغة التركية، وكانت هي لغة التعامل في الإدارة، وبذلك فإن من يتعلم في المدارس العثمانية يفتح لنفسه مجالات العمل في الإدارة(25).
هذا المد التركي، وقفت في وجهه المدارس العتيقة، والملحقة بالجوامع الكبيرة، التي تحملت مسؤولية الحفاظ على اللغة العربية بتخريج علماء في العلوم الإسلامية، فقاموا بواجبهم » في وجه ثقافة تركية ومدارس تركية تؤيدها الحكومة العثمانية بأموالها وإدارتها«(26). على أن الفضل الأول في المحافظة على عروبة العراق وغيره من البلدان العربية يرجع إلى الإسلام، وإلى القرآن الكريم وإلى التراث الإسلامي.
هذه النزعة العربية هي التي دافع عنها الألوسي، والعلماء المعاصرون له، ومنهم: عبد الغني جميل، والشاعر عبد الغفارالأخرس(27)، مواجهين بذلك الحكم العثماني، ومتفائلين بقيام دولة عربية تملك السيادة اللغوية والدينية معا في حكم المسلمين.
نشأت هذه النزعة العروبية عند الألوسي عندما سافر إلى الأستانة فوجد هنالك تعاملا يمقت الإنسان العربي ويوالي الإنسان التركي؛ قال في تصوير ذلك العداء: » وقد صح عندي أن هذه الطبيعة الشيطانية شعار ودين لبعض مدرسي القسطنطينية ويبغضون بدورهم كل من يرد على بلدهم من الأفاضل ولو كان نبيا، وإن رؤية العالم العربي في أعينهم الموت الأحمر…ابعد عنهم ما استطعت وإياك وإياهم، وعليك ـ إن أردت صحبة ـ بمصاحبة العوام. فإنك تقوم وتقعد معهم في أمان الله عز وجل والسلام، وفي هذه الحكاية لذوي الـفطن كفاية «(28).
ومما يصور طموح الألوسي، والعلماء عامة نحو حكم عربي، ما قاله في قصيدة بعث بها إلى أبنائه (29).
وهل روضها يخضر بعد ذبولــها Ë Ë ويهمي على أوراقه الوبل والطــل
وهل أنا في يوم العروبة قاصــد Ë Ë لحضرة باز شأنه الفصل والوصــل
ويسايره في الاتجاه نفسه عبد الغني جميل، فمن شعره قصيدة بعث بها إلى الألوسي وهو في الأستانة متبرما من الحالة التي عليها المجتمع في بغداد:
لــهفـي عـلـى بـغــداد مــن بـلــدة Ë Ë قد عشش العـــز بــها وطــار
كانت عروسا مثل شمس الضحى Ë Ë لمستــــعــير حــليها لايعــار
كـان بهـا للنـفـس مـا تشـتــهــي Ë Ë كــجـنة الـخـلــود والـقـــرار
كانت لآسـاد الــوغــى مــنـزلا Ë Ë والخائف الجاني بها يستجار(30)
وللشاعر عبد الغفار الأخرس شعر كثير يتضمن نقمته على الأحوال التي آلت إليها الأوضاع بالعراق، من ذلك قوله:
سلام على بغداد من بعد هـذه Ë Ë سلام ملول لايمــل مــن الضـــجــــر
سأرحل عنها غير ملتفت لـــها Ë Ë وأغدو مع النائــــين في أول السفر
وكيف مقامي بين شر عصابة Ë Ë تساوت لديهم رتبة الصـفر والتبر(31)
وقوله :
فهلا رحلنا إلى غيرهـــــــــــا Ë Ë لنحظى بعز وعيش أتــــم (32)
وقوله :
طوينا على الزوار لادر درهــم Ë Ë بساطا متـى ينـشر يعدونه طعــــنا
وإني وإن كنت ابنها ورضيعها Ë Ë فقد أنكرتني سقــاها الحيا مــزنا (33).
إن هذا الشعر يصور انعدام الأمن، وعدم الاطمئنان إلى ما آلت إليه الأمبراطورية العثمانية من ضعف في البلاد العربية ومنها العراق. ويشي بما يختلج في نفوس هؤلاء الشعراء والعلماء من رغبة في التغيير، والحنين إلى الماضي التليد، الذي كانت فيه العراق حرة تحت حكم العرب.

2 ـ الظروف الثقافية
يعتبر كتاب "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون"ـ في ترتيب المصادر وفهرستها ـ لإسماعيل باشا البغدادي (تـ1920م) وثيقة مهمة تصور لنا المستوى الثقافي لرجال القرن الثالث عشر الهجري. وتطلعنا على مدى مشاركتهم في التأليف إلى جانب إخوانهم من العلماء والمؤلفين في القرون الماضية. يرى المتتبع لهذا المصدر أن التأليف في هذا القرن غني جدا، فقد عرف علماء كثيرين، وعلوما مهمة جدا، بقدر أهمية علماء تلك المرحلة.
اهتم علماء القرن الثالث عشر بالتأليف في عدة موضوعات، نذكر منها: موضوع الجهاد والرد على النصارى، وموضوع الوعظ وبيان سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة رجال التاريخ. وموضوع الفتاوى. وألـفوا كذلك في التصوف، واللغة والأدب وغير ذلك من فنون القول.

1ـ التأليف في الجهاد
وأرى أن الاهتمام بالتأليف في هذه العلوم ليس إلا نتيجة الحاجة إليها؛ لأن الظروف الاجتماعية، والمرحلة التاريخية يتطلبانها. إن الصراعات الخارجية التي عرفتها الأمبراطوية، والحروب التي خاضتها ضد روسيا وفرنسا والنمسا وإنكلترا، تطلبت المناداة بالجهاد. فكان لزاما على العلماء التأليف في هذا الثابت الإسلامي، وتبيين مزاياه، ودرجته عند الخالق عز وجل. ألـف في ذلـك الألـوسي(تـ1270هـ) كتابا سـماه:"سفـرة الزاد في سفرة الجهاد" وهو» رسالة في فضل الجهاد نفيسة جدا «(34)، وصنف ميرزا أحمد باقر الجوهري(ت1241هـ) كتابا سماه: "طرفات البكاء في مقاتل الشهداء"(35). وكتب عبد الرزاق بن عبد الفتاح اللاذقي(ت1270هـ) كتابا سماه:" تشويقات الجياد في الغزو والجهاد "(36).
خلق الاصطدام بالنصارى نوعا من الفكر، نلحظه في الكتب التي ألفت ردا عليهم، ككتاب:"ميزان الموازين في أمر الدين" لنجف علي بن حسن علي التبريزي، فرغ منه سنة1287(37)، وكتاب "رماح حزب الرحيم" للشيخ أبي حفص عمر بن سعيد ، فرغ منه سنة 1261(38).

2ـ التأليف في الوعظ
أما عن الحالة الاجتماعية داخل الإمبراطورية العثمانية، فقد كان يتهددها خطران. أحدهما: الجهل المسيطر على عقول الناس، وثانيهما: الحروب الداخلية وما تنشره في البلاد من انعدام الأمن. قال الألوسي مصورا الجهل الذي عليه الناس في العراق: » وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع فمنهم من يدعو الخضير وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة ولا ترى فيهم أحدا يخص مولاه بتضرعه ودعاه«(39). ويصور هذا الجهل في موضع آخر من تفسيره، قائلا: »نعم لا ينبغي الاستغاثة بغير الله تعالى على النحو الذي يفعله الناس اليوم مع أهل القبور الذين يتخيلون فيهم ما يتخيلون فآها ثم آها مما يفعلون«(40). والمتصفون بصبغة الجهل في زمن الألوسي»أكثر من الدود«(41).
ولمعالجة هذا الوضع دعي العلماء إلى القيام بالوعظ وتعليم الناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ودعي الألوسي إلى ذلك سنة 1252هـ وطلب منه علي رضا باشا أن يختص بصحبته لما علم من مقدرته على استمالة القلوب، وطلب منه أن يقوم بالدعوة لجمع كلمة الناس حول السلطان، وأمره بشرح كتاب: " البرهان في طاعة السلطان "(42).
أما عن الحروب الداخلية، فقد استطاع الخليفة إعادة الأمن إلى بغداد، لكنه لم يستطع وقف زحف جيوش محمد علي والي مصر، فطلب من الألوسي أن يكتب إلى محمد علي، محذرا له خروجه على الدولة والسلطان. فأهدر الألوسي دمه في فتواه التي أفتاها في كتابه إليه، ومنها: »…من خروج محمد علي باشا المـصر على ما يسيء ويـزري…حيث أراد حسب زعمه بدهائه الفصل بين الشجر ولحائه. فقد ذهب كثير من الأئمة الأخيار إلى أن قتل البغاة أفضل من جهاد الكفار«(43).
عرف التأليف في الوعظ نشاطا في هذه المرحلة لأهميته، فمن الكتب المؤلفة في ذلك: "منبه الراقدين" لموسى بن الشيخ حسين بن عيسى الرومي(تـ1201هـ)(44)، وكتاب الروض الأزهر في حديث من رأى منكرا" لابن الجوهري(تـ1215هـ)(45)، ومصنف:»ما ورد في تحريم الخمر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر« لصالح بن محمد العلائي(تـ1218هـ)(46). وكتاب: "سلم المسترشدين لأحكام الشريعة والدين"، لحسونة بن عبد الله النواوي (تـ1255هـ)(47) ومؤلف: "نجاة العباد" للشيخ محمد حسن الأصبهاني(تـ1267هـ)(48)، وكتاب:"تنبيه الغافلين" للكرمانشاهاني (ت1269هـ)(49)، وكتاب:"تحفة الموقنين ومرشدة الضالين" لابن السكري(تـ1299هـ)(50).
3 ـ التأليف في بيان سيرة الرسول r
ويتطلب الوعظ بيان سيرة الرسول r وإحياءها بما تضمنته من مكارم الأخلاق، وفضائل المعاملات، وأزكى العبادات. ومما ألف في ذلك: "شرح الطريقة المحمدية " لبدر الدين علي بن صدري القونوي (ت1216هـ)(51)، و"إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار" لصالح بن نوح(ت1218هـ)(52)، و"شرح شمائل النبي" للعتابي المدرس(ت1219هـ)(53)، و"الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية "للمولى حسن الرومي(ت1230هـ)(54)، و"تلقيح الأفهام في وصايا خير الأنام" لسيدعبد الرحمان مقبول الأهدل(ت1250هـ)(55)، و"رياض المديح وجلاء كل ود فصيح، وشفاء كل قلب جريح في ذكر النبي المليح" وهي منظومة للسيد جعفر بن عثمان بن محمد المرغني نظمها سنة(1272)(56)، وغير ذلك من الكتب والمصنفات التي تبين مدى اهتمام مؤلفي القرن الثالث عشر بإحياء كل ما يتصل بحياة رسول الله r وشخصيته سيرة، وحديثا، وتقريرا؛ للاقتداء بخلقه الكريم في الحياة العامة، وللتحصن ضد الجهل والفتن التي كانت المرحلة تشهدها وتعيشها.
4 ـ التأليف في بيان سيرة الرجال
اهتم كذلك مؤلفو القرن الثالث عشر بالتأريخ للرجال والترجمة لـهم. نذكر مما كتب فـي ذلك: "رياض البساتين في أخبار الشيخ عبد القادر محي الدين" للسيد محمد الأمين الكلاني فرغ منه سنة(1263هـ)(57)، وكتاب:"تحفة البشر على مولد ابن حجر"، للباجوري(تـ1276هـ)(58)، ومؤلف:"روضات الجنات في أقوال العلماء والسادات" لمحمد باقر بن زين العابدين(تـ1287هـ) (59)، وغير ذلك كثير.
5 ـ التأليف في الفتاوى والقضاء
وإلى جانب التأليف في الوعظ واستحضار شخصية الرسولr، وشخصيات مشاهير التاريخ من علماء الأمة، للاقتداء بهم والسير على منوالهم. اهتم العلماء ـ كذلك ـ بالـتأليف في علم "الفتاوي". وهو يتعلق بالموعظة؛ لأن الموعظة تكون إذا كان المنكر شائعا، والجهل متفشيا. مما يستدعي الوقوف أمام القضاء الذي يتطلب الوقوف على الحال والمستجدات، والعلم بفتاوي الأمة للنطق بالأحكام.
وقد تولى الألوسي الفتيا ببغداد، وأفتى بشأن محمد علي وأحل دمه لزرعه الفتن وخروجه على السلطان. ومن الكتب المصنفة في هذا العلم، نذكر: "الدرر المنثورة في الفتاوي المشهورة" للخطيب الموصلي(تـ1206هـ)(60)، وكتاب:"منتخب الفتاوي"، للشيخ عبد الكافي المرشدآبادي(تـ1216هـ)(61)، وكتاب: "نسخة الفتاوي" لمحمد القسطنطيني أمين الفتوى الرومي الحنفي(ت1223هـ)(62)، وكتاب: "الكواكب الذرية في فتاوي القلعية" لمفتي مكة عبد الملك بن عبد المنعم(تـ1229هـ)(63)، و"معين المفتي" للعلامة أبي محمد حسن الشريف(تـ1234هـ)(64).
والتأليف في الفتاوي يستتبع التأليف في القضاء، فألفت فيه كتب، نذكر منها، كتاب: "وظائف القضاة في أصول المرافعة وترجيح البينات" للسيد حسن بن الحسن الرومي(ت1289هـ)(65).

6 ـ التأليف في التصوف
هذا الواقع المزري العنيف المليء بالحروب والفتن والثورات، وما يتخلله من فساد إداري، دفع بعض العلماء إلى الانزواء في الركن الخفي، حيث الهدوء والأمان، متصلين بعالم الأرواح راغبين عن عالم الأشباح. وجدوا ضالتهم في التصوف والاتصال بعالم الملكوت. فاهتموا بهذه الرياضة ممارسة وتأليفا. فقد ضمن الألوسي تفسيره آراء المتصوفة. ومن مصنفاتهم في ذلك: "الرسالة اليمانية في أذكار طريقة القادرية الكيلانية"، للشيخ عبد الله الرومي القادري البغدادي فرغ منه سنة(1208هـ)(66)، و"الحديقة الندية في آداب الطريقة النقشبندية والبهجة الخالدية"، لسليمان البغدادي النقشبدندي(تـ1234هـ)(67)، وكتاب:"البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية"، لمحمد بن عبد الله الخاني(ت1279هـ)(68).

7 ـ التأليف في اللغة العربية وآدباها
أما التأليف في الآداب واللغة العربية، فله وجهة أخرى توجهه. وهي حفظ اللغة العربية وضمان استمراريتها، لمناهضة سياسة التتريك التي كانت تنهجها الأمبراطورية العثمانية. فالتأليف في علوم العربية وآدابها نال من تأليف المرحلة حصة الأسد، لوعي العلماء بأهمية اللغة العربية في حفظ الكيان العربي، وحفظ توازنه، وسيرورته الثقافية، والدينية عبر التاريخ.
إذا، هذه هي المظاهر العامة التي كانت توجه الثقافة في القرن الثالث عشر. وهي مرتبطة أشد الارتباط بالواقع التاريخي والسياسي الذي أنتجها. والسؤال المطروح هو: كيف عملت هذه الظروف على توجيه ثقافة الألوسي؟ هذا ما سنقف عنده في النقطة الموالية عند حديثنا عن الألوسي ومؤلفاته.

0 commentaires :

Enregistrer un commentaire

شارك